الجمعة، 27 أبريل 2018

إيمان الضمير وإيمان التجنيد

الإيمان بين الضمير والتجنيد :



 إن حركات التدين السياسي (سلفية، وهابية، إخوان ...) تسعى لنشر نوع من التدين والإيمان، ألا وهو الإيمان بالتجنيد والقوة والإكراه، رغم أن التنزيل الحكيم يعارض هذا {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة 256)، فالإيمان الحق هو إيمان الضمير وبناء له، وهذا النوع - إيمان الضمير - هو الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، فنجد قوله عز وجل {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا} (الإسراء 13) {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (القيامة 14). ونجد قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المنسوب له (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ وإن أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ).
وهذا الإيمان جاء من أجل بناء إنسان مستقل ذو ضمير وحكمة، وإنسان يحاسب نفسه بنفسه قبل الحساب الأخير عند رب العالمين، متيقنا أنه لا توجد وساطة بينه وبين ربه {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة 186).

أما التيارات السياسية المتدينة - وليست الدينية - فلا تؤمن بهذا الإيمان ولا تعترف به، فمن وجهة نظرهم - كما ذكرنا سابقا - الإيمان كالتجنيد والخدمة العسكرية، فهم يأمرون أتباعهم بافعل ولا تفعل، ويجب على التابع أن يطيع وينقاض لأوامرهم وإلا سيغضبون عليه ويخرجونه من دائرة الرحمة التي يتوهمون أنهم يملكونها، وإذا غضبوا عليك فسيغضب الرب عليك، كما لو أن الرب عز وجل دمية في أيديهم ليسييرونه كيفما شاؤوا وأرادوا.

ولنأخذ بعض الأمثلة ليتبين أسلوبهم الوقح :
إذا قال لك شيخ منهم، يجب أن تكون لحية طويلة مقصوصة الشارب ولم تستجب لدعواه، فأنت من المغضوب عليهم.
وإذا قال لك أنه يجب عليك تغيير عملك (شغلك) لأنه عمل غير صالح - من وجهة نظره - لأن السلف لم يشتغل تلك المهنة - حتى وإن لم تكن في ذلك العصر - فيجب أن تطيع الفتاوى والأوامر وإلا ستصبح من الضالين والخارجين عن الدين، ويجوز قتلك حينئذ لأنهم يؤمنون بحد الردة، رغم أن القرآن ينكره {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} (النساء 137).
لذلك تجدهم يؤمنون بأن كل فتوى تصدر منهم يجب أن تطاع وتسمع فورا وبدون نقاش، وهذا ما ذكره أسامة بن لادن في مذكراته، حيث قال أن أي شيء تريدون نشره في الأمة، فلينشر تحت مسمى الشيخ يوسف القرضاوي، كي تأخذ الصبغة والختم الديني، وكأن القرضاوي إله معبود.

أسامة فاخوري

باحث إسلامي

الأربعاء، 11 أبريل 2018

فكر البحث الإسلامي

فكر البحث الإسلامي :

.
.
 إن الفكر العربي -عموما- والفكر الإسلامي -خصوصا- يعاني من عدة مشكلات في البحث والتفكير، نذكر من هذه المشاكل الأساسية :
.
1- عدم التقيد بمنهج علمي موضوعي.
2- عدم تطبيق البحث العلمي الموضوعي على المقدسات.
3- دراسة النصوص بعاطفة مسبقة تقود الباحث للوهم.
4- إصدار حكم مسبق قبل البحث في المسألة.
5- الاقتناع المسبق بالفكرة قبل دراستها.
6- إيجاد تبريرات لوجهة النظر المسبقة، ومحاولة إيجاد تخريجات.
7- تسمية الدفاع عن فكرة ما بالبحث العلمي، في حين أن ما فعله لا يسمى بحثا من أساسه.
8- عدم الاعتماد على الفلسفة وعدم التفاعل معها.
9- التمييز بين كلام من هو على نهجهم ومن خالفهم (الكيل بمكيالين).
10- عدم وجود نظرية إسلامية في المغرفة الإنسانية (معرفة إسلامية).
11- عدم امتلاك الجرأة -والثقة بالنفس- للتعامل مع الفكر المتوارث.
12- التفكك الفكري الناتج عن عدم امتلاك نظرية إسلامية سليمة.
13- التعصب الديني، المذهبي، التراثي، السياسي ...
14- العيش في جلباب الفقه الموروث وعدم الاختلاف مع أخطائهم.
.
.

أسامة فاخوري

باحث إسلامي

الأحد، 1 أبريل 2018

مات مبتسما !!

مات مبتسما !! :


 تؤمن الغالبية من الناس -الجهلة- بأن موت الشخص مبتسما دليل على تبشيره بالجنة ومفازتها، فكلما ذهبت لعزاء تجد أهل الميت فرحين بظهور ابتسامة على وجه فقيدهم، وتراهم يرددون هذه الجملة لشهور وسنين عديدة بعد فقدان أهلهم.
وهذه الخرافات لا أصل لها في كتاب الله عز وجل، بل على العكس تماما. فالقرآن لا يقول أن الموت مبتسما دليل على دخولك للجنة كما يزعم سدنة المعابد، بل العمل الصالح هو مفتاح الجنة، فنجد قوله ع وجل :
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (الكهف 107-108)
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 277)
{مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (فصلت 46)
ولو حكمنا بدخول الناس للجنة لمجرد تبسمهم بعد الموت لما كان شخص في جهنم إلا عشرات الناس أو أقل، لأن الفراعنة - ماتوا مبتسمين - في الجنة، والملحدون في الجنة، الكفار في الجنة ... لأن كل هؤلاء ماتوا وهم مبتسمون.

 بعد الموت تبدأ عضلات الوجه - عموما - بالارتخاء، خصوصا العضلات المتسببة في الابتسام، وهما عضلتين كما يوضح العلماء "العضلة الوجنية الكبرى" و "العضلة العينية الدويرية" (كما في لوحة الموناليزا).
وكما ذكرت سابقا فإن ارتخاء هذه العضلات عند الموت دليل على ظهور معالم الابتسام على وجوه الموتى. وهذا ما وثقه وأكد عليه مجموعة من العلماء في العديد من الأبحاث، نذكر منهم "بول إيكمان" "Paul Ekman" في كتابه "Unmasking the face" الصادر سنة 1975، والعالمة "ماريان لا فرانس" "Marianne LaFrance" في كتابها "Why smile ?".

يمكن لأي شخص باحث عن الحقيقة أن يجد صورا ل "تشي جيفارا" وهو مبتسم بعد موته، وكذلك هناك صور لحاخامات وقساوسة ورهبان وهم مبتسمون، ليس لأنهم بشروا بالجنة عند موتهم بل لارتخاء العضلات.

في النهاية عزيزي القارئ كل اعتقاد لا بد أن تحكم فيه العقل فنحن مأمورون بالعقلانية والتفكر
{وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} (يس 68)
{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء 10)
{قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (الأنعام 50).

أسامة فاخوري

باحث إسلامي

المستشرقون والإسلام

المستشرقون والإسلام :


 معنى المستشرقون أو الاستشراق هو دراسة ثقافات الشرق من وجهة نظر غربية، وكانت بدايات هذا الإستشراق بمجيء أفراد -قساوسة- من الغرب، لكنهم جاؤوا بصفة أطباء، أساتذة، معلمين وعسكريين ...
ومن البلدان التي تردد عليها هؤلاء بكثرة هي مصر، لبنان وسوريا لأهمية هذه الدول في الشرق وثقافاتها العظيمة.

 منذ القدم بدأ المستشرقون من علماء أوربا بدراسة الملة المحمدية والقرآن من نواحي مختلفة، منهم من كان منصفا في البحث والدراسة ومنهم من أعمته عصبيته وبغضه (حاله كحال المتعصب من أهل الإيمان). بقيت هذه الدراسات والأبحاث تتزايد مع مرور الزمن إلى أن بلغت أوجها في القرن التاسع عشر، حيث بدأت الدراسات تتميز بالعمق والجدية وهذا راجع لانتشار واسع للمؤمنين بالدول الغربية وكذلك لاستعمار الدول الأوربية للعديد من البلدان العربية. هؤلاء الباحثون ينتمون لعدة أمم وطوائف ودفعتهم عدة عوامل للبحث والتنقيب، فتخصص كل منهم في ناحية من النواحي.
ومن المفارقات العجيبة أنهم اهتموا بكتب السير والتاريخ والمغازي أولا (علما أنها تحمل العديد من الأحداث الكاذبة والمغلوطة) ثم أخدوا بعدها في دراسة القرآن، أصول الدين والفرق المتدينة.
نذكر من هؤلاء المستشرقون :
"رنان" "Renan" المستشرق الفرنسي المعروف بعصبيته على الإسلام والشرق، وكذلك الفرنسي الاخر "جوستاف لوبون" "Gustave Le Bon" صاحب كتاب حضارة العرب، والألماني "نولدكه" "Nöldeke" صاحب كتاب القيم في القرآن وتاريخه، واﻹيطالي "كايتاني" "Caetani" مؤلف كتاب حوليات الإسلام ... .

 من أبرز المراحل الّتي يُقسّم إليها الاستشراق ما ذهب إليه الدّكتور المبروك المنصوري في كتابه "الدّراسات الدّينيّة المعاصرة من المركزيّة الغربيّة إلى النّسبيّة الثّقافيّة: الاستشراق، القرآن، الهويّة والقيم الديّنيّة"، إذ قسّم الاستشراق إلى ثلاث مراحل أساسيّة هي :
- الاستشراق الاستعماري (Colonial Orientalism) : ويشمل كلّ ما أٌنتج من بداية تشكّل هذا التوجّه مع الحركة الرّومانسيّة الغربيّة إلى حوالى 1960.

- الاستشراق ما بعد الاستعماري (Post Colonial Orientalism) : وهو التوجّه الّذي تشكّل في المرحلة ما بعد الاستعماريّة. ويرتكز أساسا على الجانب الثّقافيّ واللّغويّ وقد تلبّس لبوسا جديدا.

- الاستشراق الجديد (New Orientalism) : هو التيّار الّذي تشكّل في بداية هذا القرن. وقد دشّنه كريستوف لكسنبرغ بكتابه "القراءة السّريانيّة الآراميّة للقرآن".

أسامة فاخوري

باحث إسلامي